فصل: الحديث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بإلقاء قَتْلَى بدر فِي القليب عَلَى هيئاتهم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من رِوَايَة أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك قَتْلَى بدر ثَلَاثًا ثمَّ أَتَاهُم فَقَامَ عَلَيْهِم فناداهم فَقَالَ: يَا أَبَا جهل بن هِشَام، يَا أُميَّة بن خلف، يَا عتبَة بن ربيعَة، يَا شيبَة بن ربيعَة، أَلَيْسَ قد وجدْتُم مَا وعد ربكُم حقًّا؟ فَإِنِّي قد وجدت مَا وَعَدَني رَبِّي حقًّا. فَسمع عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَول النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ يسمعُونَ أَو أنَّى يجيبون وَقد جيفوا؟! قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم، وَلَكِن لَا يقدرُونَ أَن يجيبوا. ثمَّ أَمر بهم فسحبوا فَألْقوا فِي قليب بدر» وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أنس بن مَالك عَن أبي طَلْحَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر يَوْم بدر بأَرْبعَة وَعشْرين رجلا من صَنَادِيد قُرَيْش فقذفوا فِي طوى من أطواء بدر خَبِيث مخبث، وَكَانَ إِذا ظهر عَلَى قوم أَقَامَ بالعرصة ثَلَاث لَيَال، فَلَمَّا كَانَ ببدر الْيَوْم الثَّالِث أَمر براحلته فَشد عَلَيْهَا رَحلهَا، ثمَّ مَشَى وَاتبعهُ أَصْحَابه، حَتَّى قَامَ عَلَى سَقَى الركي فَجعل يناديهم بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم...» الحَدِيث بِنَحْوِ الَّذِي قبله وَفِي آخِره «قَالَ قَتَادَة: أحياهم الله حَتَّى أسمعهم قَوْله توبيخًا وتصغيرًا ونقمة وحسرة وندمًا» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَيْضا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام أَمر بمواراتهم» وَهَذَا لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ من كتب السّير وَغَيرهَا، وَلَا يُؤْخَذ ذَلِك من إلقائهم فِي القليب لأَنهم إِنَّمَا ألقوا فِيهِ تحقيرًا لَهُم وَلِئَلَّا يتَأَذَّى النَّاس برائحتهم وَلَيْسَ هُوَ دفنًا كَمَا نبه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي شَرحه لمُسلم فَإِن الْحَرْبِيّ لَا يجب دَفنه قَالَ أَصْحَابنَا: بل يتْرك فِي الصَّحرَاء إِلَّا أَن يتَضَرَّر مِنْهُ. نعم فِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم وَقَالَ: عَلَى شَرط مُسلم من حَدِيث عمر بن يعلي بن مرّة عَن أَبِيه قَالَ: «سَافَرت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غير مرّة فَمَا رَأَيْته مر بجيفة إِنْسَان إِلَّا أَمر بدفنه، لَا يسْأَل أمسلم هُوَ أم كَافِر».
فَائِدَة: القليب هِيَ الْبِئْر مَا كَانَت، ذكره ابْن سَيّده، قَالَ: وَقيل: هِيَ قبل أَن يطوى، وَقيل: هِيَ العاذبة الْقَدِيمَة الَّتِي لَا يعلم لَهَا رب وَلَا حافر تكون بالبراري. تذكر وتؤنث، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: القليب مَا كَانَ فِيهِ عين وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا القليب حفره رجل من بني الْبَار اسْمه «بدر» من قُرَيْش بن مخلد بن النَّضر وَكَانَ مَاء لَهُم.

.الحديث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجمع بَين الرجلَيْن من قَتْلَى أحد فِي ثوب وَاحِد ثمَّ يَقُول: أَيهمْ أَكثر أخذا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذا أُشير لَهُ إِلَى أَحدهمَا قدَّمه فِي اللحدَ. وَقَالَ: أَنا شَهِيد عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْم الْقِيَامَة. وَأمر بدفنهم فِي دِمَائِهِمْ، وَلم يغسلوا، وَلم يصل عَلَيْهِم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ، وَمِنْه نقلته، والرافعي أورد مُخْتَصرا بِلَفْظ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يصل عَلَى قَتْلَى أحد». وَرَوَاهُ أَيْضا التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو حَاتِم بن حبَان وَفِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان: «وَلم يصلَّ عَلَيْهِم» وَهُوَ بِفَتْح اللَّام، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَا أعلم أحدا تَابع اللَّيْث بن سعد من ثِقَات أَصْحَاب الزُّهْرِيّ عَلَى هَذَا الْإِسْنَاد، وَاخْتلف عَلَى الزُّهْرِيّ فِيهِ. هَذَا آخر كَلَامه، وَلم يُؤثر عِنْد البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ تفرد اللَّيْث بِهَذَا الْإِسْنَاد؛ فَإِنَّهُ من الأساطين، وَأَخْرَجَاهُ فِي كِتَابَيْهِمَا وصححاه، وَسَأَلَ التِّرْمِذِيّ البُخَارِيّ عَنهُ، فَقَالَ: حَدِيث حسن، وَحَدِيث أُسَامَة بن زيد- يَعْنِي بِهِ حَدِيث أنس الْآتِي- هُوَ غير مَحْفُوظ؛ غلط فِيهِ أُسَامَة.

.الحديث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصلِّ عَلَى قَتْلَى أحد، وَلم يغسلهم».
هَذَا الحَدِيث حسن، رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي مَنَاقِب حَمْزَة: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ تقيُّ الدَّين فِي آخر اقتراحه أَيْضا، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ عَنهُ «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مر عَلَى حَمْزَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد مُثِّل بِهِ، فَقَالَ: لَوْلَا أَن تَجِد صفيةُ فِي نَفسهَا لتركته حَتَّى تَأْكُله الْعَافِيَة، حَتَّى يحْشر من بطونها. ثمَّ دَعَا بنمرة فَكَفنهُ فِيهَا، وَكَانَت إِذا مدت عَلَى رَأسه بَدَت رِجْلَاهُ، وَإِذا مدت عَلَى رجلَيْهِ بدا رَأسه. قَالَ: فكثرت الْقَتْلَى، وَقل الثِّيَاب، فَكَانَ الرجل وَالرجلَانِ وَالثَّلَاث يكفنون فِي الثَّوْب الْوَاحِد، ثمَّ يدفنون فِي قبر وَاحِد، وَيقدم أَكْثَرهم قُرْآنًا إِلَى الْقبْلَة، فدفنهم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يصلِّ عَلَيْهِم». وَذكره الْحَاكِم مطولا ومختصرًا بِلَفْظ: «أَن شُهَدَاء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، وَلم يصل عَلَيْهِم». فَإِن قلت: فقد جَاءَ عَن عدَّة من الصَّحَابَة مَا ظَاهره أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَيْهِم؛ فَفِي مَرَاسِيل أبي دَاوُد عَن أنس قَالَ: «مر عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى حَمْزَة وَقد مثِّل بِهِ، وَلم يصل عَلَى أحد من الشُّهَدَاء غَيره». وَأخرجه الْحَاكِم، وَقَالَ صَاحب الاقتراح: إِنَّه عَلَى شَرط مُسلم. وفيهَا أَيْضا عَن أبي مَالك الْغِفَارِيّ التَّابِعِيّ: «أَمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَمْزَة فَوضع، وَجِيء بِتِسْعَة فَصَلى عَلَيْهِم سبع صلوَات، حَتَّى صَلَّى عَلَى سبعين رجلا، وَفِيهِمْ حَمْزَة فِي كل صلاةٍ صلاهَا». وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: رَوَى أَبُو مَالك قَالَ: «صَلَّى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى قَتْلَى أحد عشرَة عشرَة، فِي كل عشرَة حَمْزَة، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سبعين صَلَاة». ثمَّ قَالَ: أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل بِمَعْنَاهُ. وَفِي سنَن النَّسَائِيّ عَن شَدَّاد بن الْهَاد التَّابِعِيّ «أَن رجلا من الْأَعْرَاب جَاءَ إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فآمَنَ بِهِ واتَّبَعَه...» وَذكر الحَدِيث، وَفِيه «أَنه اسْتشْهد، فَصَلى عَلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». وَفِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم فِي كتاب الْجِهَاد: عَن جَابر «أَن حَمْزَة جِيءَ بِهِ، فَصَلى عَلَيْهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ يجاء بِالشُّهَدَاءِ فتوضع إِلَى جَانب حَمْزَة، فَيصَلي عَلَيْهِم، ثمَّ ترفع وَيتْرك حَمْزَة، حَتَّى صَلَّى عَلَى الشُّهَدَاء». ثمَّ قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فَصَلى عَلَى قَتْلَى أحد صلَاته عَلَى الْمَيِّت». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «صَلَّى عَلَيْهِم بعد ثَمَان سِنِين، كَالْمُودعِ للأحياء والأموات». وَهَذِه الْأَحَادِيث تعَارض حَدِيث جَابر وَأنس السالفين، لَكِن حَدِيث أنس قَالَ فِيهِ الْبَيْهَقِيّ عَن الدَّارَقُطْنِيّ: هَذِه اللَّفْظَة- وَهِي قَوْله: «وَلم يصل عَلَى أحد من الشُّهَدَاء غَيره»- لَيست مَحْفُوظَة. وَعَن التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْعِلَل: سَأَلت البُخَارِيّ فَقَالَ: هُوَ غير مَحْفُوظ، غلط فِيهِ أُسَامَة بن زيد. وَقد أسلفنا هَذَا فِيمَا مَضَى، وَفِي التَّحْقِيق لِابْنِ الْجَوْزِيّ عَن الدَّارَقُطْنِيّ: لم يقلها غير عُثْمَان بن عمر، وَلَيْسَت مَحْفُوظَة. ثمَّ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ مُعْتَرضًا عَلَيْهِ: عُثْمَان هَذَا مخرج عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة، وَحَدِيث أبي مَالك مُرْسل؛ لِأَن أَبَا مَالك واسْمه غَزوَان من التَّابِعين، وفِي إِسْنَاده حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن الْكُوفِي، أعله ابْن الْجَوْزِيّ، وَنقل عَنهُ فِي تَحْقِيقه عَن يزِيد بن هَارُون أَنه كَانَ قد نسي. وَعَن النَّسَائِيّ أَنه تغير لكنه من رجال الصَّحِيحَيْنِ. وَحَدِيث شَدَّاد بن الْهَاد مُرْسل أَيْضا؛ لِأَن شَدَّاد بن الْهَاد تَابِعِيّ، والْحَدِيث ضَعِيف أَيْضا، وَعَلَى تَقْدِير صِحَّته أَيْضا يحمل عَلَى أَنه لم يمت فِي المعركة. قَالَه الْبَيْهَقِيّ. وَحَدِيث جَابر فِيهِ أَبُو حَمَّاد الْفضل بن صَدَقَة، وَهُوَ مَتْرُوك كَمَا قَالَ النَّسَائِيّ، قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب التَّنْوِير: وَحَدِيث ابْن عَبَّاس ذكره مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه عَن شُعْبَة عَن الْحسن، عَن الحكم عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَى قَتْلَى أحد، ودفنهم». قَالَ شُعْبَة: كذب الْحسن بن عمَارَة؛ إِنَّمَا قلتُ للْحكم: أصلى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى قَتْلَى أحد؟ قَالَ: لم يصل عَلَيْهِم.
قلت: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَالْحكم بن عتيبة، عَن مقسم وَمُجاهد، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبر عَلَى حَمْزَة تسعا، ثمَّ جمع عَلَيْهِ الشُّهَدَاء، كلما أُتِي بِشَهِيد وضع إِلَى جنبه، فَصَلى عَلَيْهِ وَعَلَى الشُّهَدَاء اثْنَيْنِ وَسبعين صَلَاة». قَالَ: وَحَدِيث أنس: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صَلَّى عَلَى جَنَازَة كبر عَلَيْهَا أَرْبعا، وَأَنه كبر عَلَى حَمْزَة سبعين تَكْبِيرَة» لَا يَصح، فِيهِ سعيد بن ميسرَة، قَالَ خَ: عِنْده مَنَاكِير. وَقَالَ الْحَاكِم: رَوَى عَن أنس أَشْيَاء مَوْضُوعَة. وَكذبه يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، وَأَخْطَأ ابْن حبَان فِي قَوْله: رَوَى عَنهُ يَحْيَى الْقطَّان فَإِنَّهُ الْتبس عَلَيْهِ بالعطار بالراء، قَالَ: وَكَيف يروي عَنهُ وَقد كذَّبه؟! قَالَ ابْن دحْيَة: وَكَذَا حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: «أُتِي بهم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد، فَجعل يُصَلِّي عَلَى عشرَة عشرَة وَحَمْزَة، يرفعون وَهُوَ كَمَا هُوَ مَوْضُوع»، فَإِن فِيهِ يزِيد بن أبي زِيَاد، قَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث. قلت: تبع فِيهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه؛ فَإِنَّهُ نقل ذَلِك عَن البُخَارِيّ، وَنقل عَن النَّسَائِيّ أَنه قَالَ فِيهِ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَوهم فِي ذَلِك؛ فَإِنَّمَا قَالَا ذَلِك فِي يزِيد بن زِيَاد، وَيُقَال: يزِيد بن أبي زِيَاد الشَّامي، وَأما رَاوِي هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ الْكُوفِي، وَلَا يُقَال فِيهِ: ابْن زِيَاد، وَقد أخرج لَهُ م مَقْرُونا، ووثق، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا أعلم أحدا ترك حَدِيثه. وَقد جعل ابْن الْجَوْزِيّ هذَيْن الرجلَيْن فِي الضُّعَفَاء وَاحِدًا، وَهُوَ وهم أَيْضا، قَالَ ابْن دحْيَة: وَكَذَا حَدِيث أبي مَالك السالف لَا يَصح بِسَبَب حُصَيْن لشدَّة ضعفه، وتخليط عقله. وَقد تقدم مَا فِي هَذَا، وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث عَطاء بن السَّائِب، عَن الشّعبِيّ، عَن ابْن مَسْعُود «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام وضع حَمْزَة فَصَلى عَلَيْهِ، وَجِيء بِرَجُل من الْأَنْصَار، فَوضع إِلَى جنبه فَصَلى عَلَيْهِ، فَرفع الْأنْصَارِيّ، وَترك حَمْزَة حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ سبعين صَلَاة». وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب والْخُلَاصَة أَيْضا اتِّفَاق الْحفاظ عَلَى ضعف هَذِه الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة- وَلم يذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود السالف- إِلَّا حَدِيث عقبَة، وَأَنه لم يَصح فِي إِثْبَات الصَّلَاة عَلَى الشَّهِيد وغسله شَيْء، قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره: وَأقرب مَا فِيهِ هَذَانِ المرسلان. يَعْنِي: حَدِيث أبي مَالك وَشَدَّاد بن الْهَاد. وَأجَاب الْحفاظ عَن حَدِيث عقبَة بِأَن المُرَاد بِالصَّلَاةِ الدُّعَاء، وَقَوله: «صلَاته عَلَى الْمَيِّت» أَي: دَعَا لَهُم كدعاء صَلَاة الْمَيِّت. وَهَذَا التَّأْوِيل مُتَعَيّن، وَلَيْسَ المُرَاد صَلَاة الْجِنَازَة الْمَعْرُوفَة بِالْإِجْمَاع؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا فعله بعد مَوْتهمْ بثمان سِنِين، وَلَو كَانَ صَلَاة الْجِنَازَة لما أَخّرهَا ثَمَان سِنِين وَلِأَن عندنَا لَا يصلى عَلَى الشَّهِيد، وَعند الْمُخَالف لَا يصلى عَلَى الْقَبْر بعد ثَلَاثَة أَيَّام، فَوَجَبَ تَأْوِيله، وَلِأَن الْمُخَالف لَا يقبل خبر الْوَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبَلْوَى، وَهَذَا مِنْهَا، فَإِن قيل: حَدِيث جَابر وَأنس السالفين فِي الِاحْتِجَاج بهما وَقْفَة؛ لِأَنَّهَا نفي، وَشَهَادَة النَّفْي مَرْدُودَة مَعَ مَا عارضها من هَذِه الرِّوَايَات الَّتِي فِيهَا الْإِثْبَات. فَالْجَوَاب مَا قَالَه أَصْحَابنَا: أَن شَهَادَة النَّفْي إِنَّمَا ترد إِذا لم يحط بهَا علم الشَّاهِد وَلم تكن محصورة، أما مَا أحَاط بِهِ علمه وَكَانَ محصورًا فَيقبل بالِاتِّفَاقِ. وَهَذِه قصَّة مَعْرُوفَة أحَاط بهَا جَابر وَأنس علما، وَأما رِوَايَة الْإِثْبَات فضعيفة، فوجودها كَالْعدمِ، إِلَّا حَدِيث عقبَة، وَقد سلف الْجَواب عَنهُ، وَاشْتَدَّ إِنْكَار الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْأُم وتشنيعه عَلَى من يَقُول: يصلَّى عَلَى الشَّهِيد، محتجًّا بِرِوَايَة الشّعبِيّ وَغَيره «أَن حَمْزَة صُلِّي عَلَيْهِ سَبْعُونَ صَلَاة، وَكَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَة من الْقَتْلَى وَحَمْزَة عاشرهم، ثمَّ يرفعون وَحَمْزَة مَكَانَهُ، ثمَّ يُؤْتَى بِتِسْعَة أُخْرَى، فَيصَلي عَلَيْهِم وَعَلَى حَمْزَة، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سبعين صَلَاة». قَالَ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ: شُهَدَاء أحد اثْنَان وَسَبْعُونَ شَهِيدا، فَإِذا صلي عَلَيْهِم عشرَة عشرَة، فالصلوات لَا تكون أَكثر من سبع صلوَات أَو ثَمَان، عَلَى أَنه صلي عَلَى كل تِسْعَة مَعَ حَمْزَة صَلَاة، فَهَذِهِ تسع، فَمن أَيْن جَاءَت سَبْعُونَ صَلَاة؟! وَإِن عني بِهِ أَنه كبر سبعين تَكْبِيرَة فَنحْن وهم نقُول: التَّكْبِير أَربع، فَهِيَ إِذا كَانَت تسع صلوَات تكون سِتًّا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَة. قَالَ الشَّافِعِي: يَنْبَغِي لمن رَوَى هَذَا الحَدِيث أَن يستحيي عَلَى نَفسه، وَقد كَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يُعَارض بِهِ الْأَحَادِيث، فقد جَاءَت من وُجُوه متواترة أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصل عَلَيْهِم. وَنقل هَذَا النَّص كُله الْبَيْهَقِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كتاب الْمعرفَة وَقَالَ فِي خلافياته: لَا يَصح عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه صَلَّى عَلَى أحد من شُهَدَاء أحد، لَا عَلَى حَمْزَة وَلَا عَلَى غَيره. وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: من الأساليب مَا ذكر من صَلَاة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى قَتْلَى أحد؛ فخطأ، لم يُصَحِّحهُ الْأَئِمَّة؛ لأَنهم رووا «أَنه كَانَ يُؤتى بِعشْرَة عشرَة وَحَمْزَة أحدهم، فَصَلى عَلَى حَمْزَة سبعين صَلَاة». وَهَذَا غلط ظَاهر؛ فَإِن شُهَدَاء أحد سَبْعُونَ، وَإِنَّمَا يخص حَمْزَة بسبعين صَلَاة لَو كَانُوا سَبْعمِائة. وَقَالَ ابْن حزم: قَوْلهم إِنَّه صَلَّى عَلَى حَمْزَة سبعين صَلَاة، أَو كبر سبعين تَكْبِيرَة. بَاطِل بِلَا شكّ.

.الحديث الخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رجم الغامدية، وَصَلى عَلَيْهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من رِوَايَة بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
فَائِدَة: تَعَارَضَت الرِّوَايَات فِي صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى مَاعِز، فَفِي البخاريّ من رِوَايَة جَابر «أَنه صَلَّى عَلَيْهِ» ذكره فِي أول كتاب الْمُحَاربين فِي بَاب الرَّجْم بالمصلى، وَفِي أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بأسانيد صَحِيحَة «أَنه لم يصل عَلَيْهِ» وَلَا يخْفَى أَن الْمُثبت مقدم عَلَى النَّافِي؛ لِأَن مَعَه زِيَادَة علم.

.الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

«أَن حَنْظَلَة بن الراهب قتل يَوْم أحد وَهُوَ جنب، فَلم يغسلهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسله».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي يَحْيَى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن حَنْظَلَة لما قَتله شَدَّاد بن الْأسود، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: إِن صَاحبكُم حَنْظَلَة تغسله الْمَلَائِكَة؛ فَسَلُوا صاحبته. فَقَالَت: خرج وَهُوَ جنب لما سمع الهائعة. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لذَلِك غسلته الْمَلَائِكَة». وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا فِي تَرْجَمَة حَنْظَلَة من مُسْتَدْركه فِي كتاب الْفَضَائِل مِنْهُ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من هَذِه الطَّرِيق، وَقَالَ: مُرْسل، وَهُوَ فِيمَا بَين أهل الْمَغَازِي مَعْرُوف.
قلت: وَهُوَ مُرْسل صَحَابِيّ؛ لِأَن ابْن الزبير لم يدْرك أُحُدًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ ابْن سنتَيْن، وَالْجُمْهُور عَلَى الِاحْتِجَاج بمرسل الصَّحَابِيّ، إِلَّا من شَذَّ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِن صَاحبكُم لتغسله الْمَلَائِكَة- يَعْنِي:
حَنْظَلَة فاسألوا أَهله مَا شَأْنه؟ فَسُئِلت صاحبته فَقَالَت: خرج وَهُوَ جنب حِين سمع الهائعة. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لذَلِك غسلته الْمَلَائِكَة»
وَهَذَا مُرْسل أَيْضا، وَرُوِيَ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيثه، بِلَفْظ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِن الْمَلَائِكَة غسلت حَمْزَة وحَنْظَلَة، وَكَانَا جنبان» ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده أَبُو شيبَة، وَهُوَ ضَعِيف. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة حَمْزَة: «أَنه قتل وَهُوَ جنب، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: غسلته الْمَلَائِكَة» وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد. قلت: فِيهِ مُعلى بن عبد الرَّحْمَن أحد الهلكى. وَفِي رِوَايَة لِابْنِ سعد فِي حَدِيث حَنْظَلَة قَالَ: «لما قتل حَنْظَلَة بن أبي عَامر قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي رَأَيْت الْمَلَائِكَة تغسل حَنْظَلَة بن أبي عَامر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض بِمَاء المزن فِي صحاف الْفضة. قَالَ أَبُو أسيد السَّاعِدِيّ: فذهبنا، فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ، فَإِذا رَأسه يقطر مَاء، فَرَجَعت إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته، فَأرْسل إِلَى امْرَأَته فَسَأَلَهَا؛ فَأَخْبَرته أَنه خرج وَهُوَ جنب». فولده يُقَال لَهُم: بَنو غسيل الْمَلَائِكَة.
تَنْبِيه: وَقع للنووي- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي شرح الْمُهَذّب نوع اضْطِرَاب فِي هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ أَولا: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد جيد. ثمَّ قَالَ بعده بورقتين: قد قدمنَا أَنه حَدِيث ضَعِيف. وَشرع يُجيب عَنهُ عَلَى تَقْدِير ثُبُوته، فيتنبه لذَلِك.

.الحديث السَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتلى أحد أَن ينْزع عَنْهُم الْحَدِيد والْجُلُود، وَأَن يدفنوا بدمائهم وثيابهم».
هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث عَلّي بن عَاصِم، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا، وَعلي هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ أَحْمد: مَا لَهُ تكْتب أَحَادِيثه، أَخطَأ يتْرك خَطؤُهُ وَيكْتب صَوَابه، قد أَخطَأ غَيره. وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: قيل ليحيى بن معِين: إِن أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول فِيهِ: ثِقَة. قَالَ: لَا وَالله مَا كَانَ عِنْده قطّ ثِقَة، وَلَا حدث عَنهُ بِحرف قطّ، فَكيف صَار عِنْده الْيَوْم ثِقَة؟! وَقَالَ يزِيد بن هَارُون: مَا زلنا نعرفه بِالْكَذِبِ. وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: مَا عتبت عَلَيْهِ إِلَّا أَنه كَانَ يخلط فيلج ويستصغر أَصْحَابه. وَقَالَ يزِيد بن زُرَيْع: أفادني عَن خَالِد الْحذاء وَهِشَام بن حسان أَحَادِيث، فأنكراها وَمَا عرفاها. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: إِنَّه تكلم بِكَلَام سوء وَلم يفسره.
قلت: وَثمّ للْحَدِيث عِلّة أُخْرَى، وَهِي عَطاء بن السَّائِب الْمُخْتَلط بِأخرَة، وَقد أسلفنا مَا فِيهِ للحفاظ فِي بَاب الْأَحْدَاث، فِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين مِنْهُ فَتنبه لَهُ.

.الحديث الثَّامِن بعد الثَّلَاثِينَ:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الله لَا يرد دَعْوَة ذِي الشيبة الْمُسلم».
هَذَا الحَدِيث تبع فِي إِيرَاده الْغَزالِيّ؛ فَإِنَّهُ أوردهُ فِي وسيطه، وَهُوَ تبع إِمَامه فِي نهايته، وَلَا يحضرني من خرجه، نعم رَوَى النَّسَائِيّ فِي كِتَابه عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة حَدِيثا قَرِيبا مِنْهُ عَن زَكَرِيَّا بن يَحْيَى، عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، عَن وَكِيع، عَن طَلْحَة بن يَحْيَى، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة، عَن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد اللَّيْثِيّ، عَن طَلْحَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ أحد أفضل عِنْد الله من مُؤمن يعمر فِي الْإِسْلَام». وَفِي صَحِيح أبي حَاتِم وَالْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا: «الْبركَة مَعَ أكابركم». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ ابْن حبَان: لم يحدث ابْن الْمُبَارك هَذَا الحَدِيث بخراسان، وَإِنَّمَا حدث بدرب الرّوم؛ فَسمع مِنْهُ أهل الشَّام، وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث فِي كتب ابْن الْمُبَارك مَرْفُوعا. وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر كتاب الاقتراح من الطَّرِيق الْمَذْكُور مَرْفُوعا بِلَفْظ «الْخَيْر» بدل «الْبركَة»، ثمَّ قَالَ: هُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمَقْصد الْأَسْنَى: إِنَّه حَدِيث حسن. وَفِي سنَن أبي دَاوُد عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن من إجلال الله إكرام ذِي الشيبة الْمُسلم» وَفِيه طول، لم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد، وَكَذَا عبد الْحق، وَأعله ابْن الْقطَّان بِأبي كنَانَة أحد رُوَاته وَقَالَ: لَا يعرف. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته عَن أنس مَرْفُوعا: «من إجلال الله إكرام ذِي الشيبة الْمُسلم». ثمَّ نقل عَن ابْن حبَان أَنه لَا أصل لَهُ، ومنام يَحْيَى بن أَكْثَم فِي تَارِيخ بَغْدَاد، وَفِيه من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جِبْرِيل عَن الله: «مَا شَاب عبد فِي الْإِسْلَام شيبَة إِلَّا استحييت لَهُ أَن أعذبه فِي النَّار، وَإِن الله صدق الْكل».

.الحديث التَّاسِع بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى عَلَى امْرَأَة مَاتَت فِي نفَاسهَا، فَقَامَ وَسطهَا».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «صَلَّى عَلَى أم كَعْب مَاتَت وَهِي نفسَاء».
فَائِدَة: وَسطهَا: بِفَتْح السِّين وسكونها، قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي شرح مُسلم: ضبطناه والجياني أَيْضا بِالسُّكُونِ، وَأما ابْن دِينَار فَقَالَ: وَسَط الدَّار ووسْطها مَعًا. كَذَا نَقله عَن ابْن دِينَار، وَنَقله فِي الشهَاب عَن ابْن دَريد.

.الحديث الأَرْبَعُونَ:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَامَ عَلَى جَنَازَة رجل فَقَامَ عِنْد رَأسه، ثمَّ أُتِي بِجنَازَة امْرَأَة فَصَلى عَلَيْهَا، وَقَامَ عِنْد عجيزتها، فَقيل لَهُ: هَل كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقوم عِنْد رَأس الرجل وعجيزة الْمَرْأَة؟ فَقَالَ: نعم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وحسَّنه، وَلَفظ أبي دَاوُد «أَن أنسا قَامَ عِنْد رَأس رجل وَكبر أَربع تَكْبِيرَات لم يطلّ وَلم يسْرع، ثمَّ ذهب يقْعد فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَة، المراة الْأَنْصَارِيَّة. فقربوها وَعَلَيْهَا نعش أَخْضَر، فَقَامَ عِنْد عجيزتها، فَصَلى عَلَيْهَا نَحْو صلَاته عَلَى الرجل، ثمَّ جلس، فَقَالَ الْعَلَاء بن زِيَاد: يَا أَبَا حَمْزَة هَكَذَا كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَة كصلاتك، يكبر أَرْبعا وَيقوم عِنْد رَأس الرجل وعجيزة الْمَرْأَة؟ قَالَ: نعم». وَلَفظ التِّرْمِذِيّ عَن أبي غَالب نَافِع، وَقيل: رَافع، قَالَ: «صليتُ مَعَ أنس بن مَالك عَلَى جَنَازَة رجل، فَقَامَ حِيَال رَأسه، ثمَّ جَاءُوا بِجنَازَة امْرَأَة من قُرَيْش، فَقَالُوا: يَا أَبَا حَمْزَة، صلِّ عَلَيْهَا. فَقَامَ حِيَال وسط السرير، فَقَالَ لَهُ الْعَلَاء بن زِيَاد: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ عَلَى الْجِنَازَة مقامك مِنْهَا، وَمن الرجل مَقامك مِنْهُ؟ قَالَ: نعم. فَلَمَّا فرغ قَالَ: احْفَظُوا». وَلَفظ ابْن مَاجَه نَحوه، وَكَذَا أَحْمد، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرَأَيْت أَبَا عَلّي الطَّبَرِيّ حَكَى عَن أنس فِي هَذَا الرجل «أَنه وقف عِنْد صَدره».
قلت: هَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة، لَا أعلم من خرجها. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: إِن هَذَا غلط صَرِيح. قَالَ: وَالصَّوَاب الْمَوْجُود فِي كتب الحَدِيث «أَنه وقف عِنْد رَأسه».
فَائِدَة: وَقع فِي هَذَا الحَدِيث فِي سنَن أبي دَاوُد أَن هَذِه الْمَرْأَة كَانَت أنصارية، وَوَقع فِي التِّرْمِذِيّ أَنَّهَا قرشية، كَمَا أسلفنا ذَلِك، وذكرهما الْبَيْهَقِيّ، وَيجمع بَينهمَا بِأَنَّهَا لَعَلَّهَا كَانَت من إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَلها حلف من الْأُخْرَى، أَو زَوجهَا من الْأُخْرَى، وَقد ذكره كَذَلِك النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب احْتِمَالا، وَكَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَة: لَعَلَّ كَانَ نَسَبهَا من قُرَيْش وبالحلف من الْأَنْصَار، أَو عَكسه. قَالَ: وَالْقَائِل «احْفَظُوا» هُوَ الْعَلَاء بن زِيَاد.
فَائِدَة: عَجِيزة الْمَرْأَة: بِفَتْح الْعين وَكسر الْجِيم أليتاها.

.الحديث الحَادِي بعد الْأَرْبَعين:

عَن جَابر «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر عَلَى الْمَيِّت أَرْبعا، وَقَرَأَ بِأم الْقُرْآن بعد التَّكْبِيرَة الأولَى».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ هَكَذَا الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن جَابر مَرْفُوعا بِهِ سَوَاء، وَإِبْرَاهِيم هَذَا سلف بَيَانه فِي كتاب الطَّهَارَة، وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل سلف فِي الْوضُوء. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من هَذَا الْوَجْه مستشهدًا بِهِ بِلَفْظ: «كَانَ يكبر عَلَى جنائزنا أَرْبعا، وَيقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب فِي التَّكْبِيرَة الأولَى». وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَرَأَ عَلَى الْجِنَازَة بِفَاتِحَة الْكتاب». قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث إِسْنَاده لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي، وَإِبْرَاهِيم بن عُثْمَان- يَعْنِي الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده- مُنكر الحَدِيث.
قلت: وَهُوَ أَبُو شيبَة الوَاسِطِيّ، جد بني شيبَة أبي بكر وَعُثْمَان، وَقد أَجمعُوا عَلَى ضعفه، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: إِنَّه حَدِيث لَا يثبت بِسَبَب إِبْرَاهِيم هَذَا؛ فَإِن شُعْبَة كذبه. وَفِي سنَن ابْن مَاجَه من حَدِيث حَمَّاد بن جَعْفَر الْعَبْدي، حَدثنِي شهر بن حَوْشَب، حَدَّثتنِي أم شريك الْأَنْصَارِيَّة قَالَت: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نَقْرَأ عَلَى الْجِنَازَة بِفَاتِحَة الْكتاب» وَشهر هَذَا سلف أَقْوَال أهل الْفَنّ فِيهِ فِي بَاب النَّجَاسَات، وَحَمَّاد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَابْن حبَان، وَقَالَ ابْن عدي: مُنكر الحَدِيث، لم أجد لَهُ غير حديثين أَحدهمَا هَذَا. وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَن من الْأَركان التَّكْبِيرَات الْأَرْبَع، ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة أَحَادِيث صَحِيحَة، مِنْهَا حَدِيث أنس السالف قَرِيبا، وَمِنْهَا أَحَادِيث ثَابِتَة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَحدهَا: عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَى قبر وَكبر أَرْبعا». ثَانِيهَا: عَن أبي هُرَيْرَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نَعَى النَّجَاشِيّ فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخرج بهم إِلَى الْمُصَلى، فَصف بهم وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا». ثَالِثهَا: عَن جَابر: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيّ، فَكبر أَرْبعا».

.الحديث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين:

ثَبت «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر عَلَى الْجِنَازَة أَكثر من أَربع».
هُوَ كَمَا قَالَ، فَفِي صَحِيح مُسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى قَالَ: «كَانَ زيد يكبر عَلَى جنائزنا أَرْبعا، وَأَنه كبر عَلَى جَنَازَة خمْسا فَسَأَلته، فَقَالَ: كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يكبرها». وَزيد هَذَا هُوَ ابْن أَرقم، كَمَا جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي بعض الطّرق. وَرَوَى أَحْمد عَن عبد الصَّمد، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُسلم، ثَنَا يَحْيَى بن عبد الله الجابر، عَن عِيسَى مولَى لِحُذَيْفَة «أَنه صَلَّى عَلَى جَنَازَة فكبَّر خمْسا، وَقَالَ: فعلت كَمَا فعل حُذَيْفَة. وَقَالَ حُذَيْفَة: فعلت كَمَا فعل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» يَحْيَى هَذَا ضعفه النَّسَائِيّ، وَرَوَى ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الْإِعْلَام بناسخ الحَدِيث ومنسوخه من حَدِيث الزبير بن الْعَوام «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كبَّر عَلَى حَمْزَة سبع تَكْبِيرَات». وَمن حَدِيث ابْن مَسْعُود قَالَ: «حفظنا التَّكْبِير عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد كبَّر أَرْبعا وخمسًا وَسبعا، فَمَا كبَّر إمامكم فكبروا». وَقد جَاءَت الزِّيَادَة أَيْضا عَلَى الْأَرْبَع عَن بعض الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فَعَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كبر عَلَى سهل بن حنيف سِتا، وَكَانَ شهد بَدْرًا». رَوَاهُ البرقاني فِي صَحِيحه وَأَصله فِي البُخَارِيّ لكنه قَالَ: «يكبِّر عَلَيْهِ» وَلم يذكر عددا. وَعنهُ أَيْضا «أَنه كَانَ يكبر عَلَى أهل بدر سِتا، وَعَلَى سَائِر الصَّحَابَة خمْسا، وَعَلَى سَائِر النَّاس أَرْبعا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا وَعنهُ أَيْضا: «أَنه صَلَّى عَلَى أبي قَتَادَة فَكبر عَلَيْهِ سبعا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَى، وَهُوَ غلط؛ لِأَن أَبَا قَتَادَة بَقِي بعد عَلّي مُدَّة طَوِيلَة. وَأما ابْن عبد الْبر فَإِنَّهُ قَالَ فِي تمهيده: إِنَّه رُوِيَ من وُجُوه. وَنقل الكلاباذي عَن ابْن سعد عَن الْهَيْثَم بن عدي قَالَ: توفّي أَبُو قَتَادَة بِالْكُوفَةِ وَعلي بهَا، وَهُوَ صَلَّى عَلَيْهِ. وَفِيه النّظر الْمَذْكُور؛ لِأَن عليًّا توفّي سنة أَرْبَعِينَ، كَمَا ذكره الكلاباذي فِي تَرْجَمته، وَأَبُو قَتَادَة توفّي سنة أَربع وَخمسين، كَمَا ذكره أَيْضا فِي تَرْجَمته، وَعَن الحكم بن عتيبة أَنه قَالَ: «كَانُوا يكبرُونَ عَلَى أهل بدر خمْسا، وستًا، وَسبعا». رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه.
تَنْبِيه: فِي علل ابْن أبي حَاتِم حَدِيث غَرِيب عَن مُحَمَّد بن مسلمة قَالَ: «السّنة عَلَى الْجِنَازَة أَن يكبر الإِمَام، ثمَّ يقْرَأ أم الْقُرْآن فِي نَفسه، ثمَّ يَدْعُو ويخلص الدُّعَاء للْمَيت، ثمَّ يكبر ثَلَاثًا، ثمَّ يسلم وينصرف، وَيفْعل من وَرَاءه ذَلِك». كَذَا وجدته: «يكبر ثَلَاثًا». قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ، فَقَالَ: هُوَ خطأ؛ إِنَّمَا هُوَ حبيب بن مسلمة. قَالَ الرَّافِعِيّ: والأربع أولَى لاستقرار الْأَمر عَلَيْهَا واتفاق الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم.
قلت: أما اسْتِقْرَار الْأَمر عَلَيْهَا، فَفِي النَّاسِخ والمنسوخ لِابْنِ شاهين، وَرَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي ناسخه أَيْضا عَنهُ عَن مُحَمَّد بن عَلّي بن نيزك الطوسي، نَا كثير بن شهَاب الْقزْوِينِي، نَا عبد الله بن الْجراح، نَا زَافِر بن سُلَيْمَان، عَن أبي الْعَلَاء، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن عبد الله بن عمر قَالَ: «آخر مَا كبر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الْجَنَائِز أَرْبعا». قَالَ: وثنا أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْآدَمِيّ، نَا أَحْمد بن الْوَلَد الفحام، نَا خُنَيْس بن بكر بن خُنَيْس، ثَنَا الْفُرَات ابْن سُلَيْمَان الْجَزرِي، عَن مَيْمُون، عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: «آخر مَا كبر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الْجَنَائِز أَرْبعا» وَهَذَا الْأَخير رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «آخر مَا كبر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الْجَنَائِز أَرْبعا وَكبر عمر عَلَى أبي بكر أَرْبعا، وَكبر عبد الله بن عمر عَلَى عمر أَرْبعا، وَكبر الْحسن بن عَلّي عَلَى عَلّي أَرْبعا، وَكبر الْحُسَيْن بن عَلّي عَلَى الْحسن أَرْبعا، وَكَبرت الْمَلَائِكَة عَلَى آدم صَلَّى الله عَلَيْهِ أَرْبعا». قَالَ الْحَاكِم: لست مِمَّن يخْفَى عَلَيْهِ أَن فرات بن السَّائِب لَيْسَ من شَرط الْكتاب، وَإِنَّمَا أخرجته شَاهدا لحَدِيث أنس قَالَ: «كَبرت الْمَلَائِكَة عَلَى آدم أَرْبعا، وَكبر أَبُو بكر عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبعا، وَكبر عمر عَلَى أبي بكر أَرْبعا، وَكبر صُهَيْب عَلَى عمر أَرْبعا، وَكبر الْحسن بن عَلّي عَلَى عَلّي أَرْبعا، وَكبر الْحُسَيْن عَلَى الْحسن أَرْبعا». قَالَ: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: ولمبارك بن فضَالة- يَعْنِي الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده- من الزّهْد وَالْعلم بِحَيْثُ لَا يجرح مثله، إِلَّا أَن الشَّيْخَيْنِ لم يخرجَاهُ لسوء حفظه. وينجبر بِالشَّاهِدِ السَّابِق، وستعرف كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِيهِ قَرِيبا أَيْضا.
وَقَالَ الْخلال فِي علله: أَخْبرنِي حَرْب قَالَ: سُئِلَ أَحْمد عَن أبي الْمليح، عَن مَيْمُون، عَن ابْن عَبَّاس «أَن آخر جَنَازَة صَلَّى عَلَيْهَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر أَرْبعا». قَالَ أَحْمد: هَذَا كذب، إِنَّمَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن زِيَاد الطَّحَّان، وَكَانَ يضع الحَدِيث. وَقَالَ الْأَثْرَم: رَوَاهُ مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة النَّيْسَابُورِي، عَن أبي الْمليح، عَن مَيْمُون، عَن ابْن عَبَّاس «أَن الْمَلَائِكَة صلت عَلَى آدم، فكبرت عَلَيْهِ أَرْبعا». قَالَ أَبُو عبد الله: رَأَيْت لمُحَمد هَذَا أَحَادِيث مَوْضُوعَة. فَذكر مِنْهَا هَذَا الحَدِيث، واستعظمه أَبُو عبد الله وَقَالَ: أَبُو الْمليح كَانَ أصح حَدِيثا وَأَتْقَى لله من أَن يروي مثل هَذَا.
وَأما اتِّفَاق الصَّحَابَة عَلَى ذَلِك فقد قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: بَاب مَا يسْتَدلّ بِهِ عَلَى أَن أَكثر الصَّحَابَة اجْتَمعُوا عَلَى أَربع وَرَأَى بَعضهم الزِّيَادَة مَنْسُوخَة. ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى عَمْرو بن مرّة قَالَ: سَمِعت سعيد بن الْمسيب يحدث عَن عمر قَالَ: كل ذَلِك قد كَانَ، أَرْبعا وخمسًا، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَربع، التَّكْبِير عَلَى الْجِنَازَة. رَوَاهُ من حَدِيث أبي الْجَعْد، أَنا شُعْبَة، عَن عَمْرو بن مرّة، وَأعله ابْن حزم بِأبي الْجَعْد وَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَقد احْتج بِهِ البُخَارِيّ، ووثق. ثمَّ سَاق بِسَنَدِهِ إِلَى أبي وَائِل قَالَ: «كَانُوا يكبرُونَ عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَسبعا وستًا، أَو قَالَ: أَرْبعا، فَجمع عمر بن الْخطاب أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبر كل رجل بِمَا رَأَى، فَجَمعهُمْ عمر عَلَى أَربع تَكْبِيرَات، كأطول الصَّلَاة». وَفِي رِوَايَة عَن وَكِيع عَن سُفْيَان «أَرْبعا» مَكَان سِتا قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يروي وَكِيع، عَن مسعر، عَن عبد الْملك بن إِيَاس الشَّيْبَانِيّ، عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: «اجْتمع أَصْحَاب رَسُول الله فِي بَيت أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ، فَأَجْمعُوا أَن التَّكْبِير عَلَى الْجِنَازَة أَربع». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث ابْن عَبَّاس «آخر جَنَازَة صَلَّى عَلَيْهَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر أَرْبعا» تفرد بِهِ النَّضر بن عبد الرَّحْمَن الخزاز عَن عِكْرِمَة، وَهُوَ ضَعِيف، وَرُوِيَ هَذَا اللَّفْظ من وُجُوه أخر كلهَا ضَعِيفَة، إِلَّا أَن اجْتِمَاع أَكثر الصَّحَابَة عَلَى الْأَرْبَع كالدليل عَلَى ذَلِك، ثمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ إِلَى عَلّي: «أَنه كبر أَرْبعا» وَكَذَلِكَ زيد بن ثَابت ثمَّ بِسَنَدِهِ إِلَى الشّعبِيّ قَالَ: «صَلَّى ابْن عمر عَلَى زيد بن عمر وَأمه أم كُلْثُوم بنت عَلّي، فَجعل الرجل مِمَّا يَلِي الإِمَام وَالْمَرْأَة من خَلفه، فَصَلى عَلَيْهِمَا أَرْبعا، وخَلفه ابْن الْحَنَفِيَّة وَالْحُسَيْن بن عَلّي وَابْن عَبَّاس». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَمِمَّنْ روينَا عَنهُ من الصَّحَابَة أَنه كبر أَرْبعا: عبد الله بن مَسْعُود، والبراء، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَعقبَة بن عَامر. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْإِعْلَام: اعْلَم أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْتَلف تكبيره عَلَى الْجِنَازَة، إِلَّا أَن الْأَغْلَب وَالْأَشْهر أَنه كَانَ أَربع تَكْبِيرَات، فروَى عَنهُ عمر بن الْخطاب، وسعيدُ بن زيد، وَعبد الله بن عمر، وَجَابِر، وَأنس بن مَالك، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَزيد بن أَرقم، وَعَمْرو بن عَوْف، وَيزِيد بن ثَابت أَخُو زيد، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَابْن عَبَّاس: «أَنه كَانَ يكبِّر أَرْبعا» وَقد كَانَ أَبُو بكر، وَعمر، وعُثْمَان، وَعلي، وَابْن مَسْعُود، وَغَيرهم من كبار الصَّحَابَة يكبرُونَ أَرْبعا.